فصل: حكيم الزمان عبد المنعم الجلياني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عيون الأنباء في طبقات الأطباء **


 أبو المجد بن أبي الحكم

هو أفضل الدولة أبو المجد محمد بن أبي الحكم عبيد اللَّه بن المظفر بن عبد اللَّه الباهلي ومن الحكماء المشهورين والعلماء المذكورين والأفاضل في الصناعة الطبية والأماثل في علم الهندسة والنجوم وكان يعرف الموسيقي ويلعب بالعود ويجيد الغناء والإيقاع والزمر وسائر الآلات وعمل أرغناً وبالغ في إتقانه وكان اشتغاله على والده وعلى غيره بصناعة الطب وتميز في علمها وعملها وصار من الأكابر من أهلها وكان في دولة السلطان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي رحمه اللَّه وكان يرى له ويحترمه ويعرف مقدار علمه وفضله ولما أنشأ الملك العادل نور الدين البيمارستان الكبير جعل أمر الطب إليه فيه وأطلق له جامكية وجراية وكان يتردد إليه ويعالج المرضى فيه وحدثني شمس الدين أبو الفضل بن أبي الفرج الكحال المعروف بالمطواع رحمه اللَّه أنه شاهده في البيمارستان وأن أبا المجد بن أبي الحكم كان يدور على المرضى به ويتفقد أحوالهم ويعتبر أمورهم وبين يديه المشارفون والقوام لخدمة المرضى فكان جميع ما يكتبه لكل مريض من المداواة والتدبير لا يؤخر عنه ولا يتوانى في ذلك قال وكان بعد فراغه من ذلك وطلوعه إلى القلعة وافتقاده المرضى من أعيان الدولة يأتي ويجلس في الإيوان الكبير الذي للبيمارستان وجميعه مفروش ويحضر الاشتغال وكان نور الدين رحمه اللَّه قد وقف على هذا البيمارستان جملة كبيرة من الكتب الطبية وكانت في الخرستانين اللذين في صدر الإىوان فكان جماعة من الأطباء والمشتغلين يأتون إليه ويقعدون بين يديه ثم تجري مباحث طبية ويقرئ التلاميذ ولا يزال معهم في اشتغال ومباحثة نظر في الكتب مقدار ثلاث ساعات ثم يركب إلى داره وتوفي أبو المجد بن أبي الحكم بدمشق في خمسمائة

 ابن البذوخ

هو أبو جعفر عمر بن علي بن البذوخ القلعي المغربي كان فاضلاً خبيراً بمعرفة الأدوية المفردة والمركبة وله حسن نظر في الاطلاع على الأمراض ومداواتها وأقام بدمشق سنيناً كثيرة وكانت له دكان عطر باللبادين يجلس فيها ويعالج من يأتي إليه أو يستوصف منه وكان يهيئ عنده أدوية كثيرة مركبة يصنعها من سائر المعاجين والأقراص والسفوفات وغير ذلك يبيع منها وينتفع الناس بها وكان معتنياً بالكتب الطبية والنظر فيها وتحقيق ما ذكره المتقدمون من صفة الأمراض ومداواتها وله حواش على كتاب القانون لابن سينا وإن له أيضاً اعتناء بعلم الحديث ويشعر وله رجز كثير إلا أن أكثر شعره ضعيف منحل وعمّر عمراً طويلاً وضعف عن الحركة حتى إنه كان لم يأت إلى دكانه إلا محمولاً في محفة وعمي في آخر عمره بماء نزل في عينه لأنه كان كثيراً يغتذي باللبن ويقصد بذلك ترطيب بدنه وتوفي بدمشق في سنة خمس أو ست وسبعين وخمسمائة ومن شعر ابن البذوخ قال وهو من قصيدة كبيرة له في ذكر الموت والمعاد فمن مختارها يا رب سهل لي الخيرات أفعلها مع الأنام بموجودي وإمكاني فالقبر باب إلى دار البقاء ومن للخير يغرس أثمار المنى جاني وخير أنس الفتى تقوى بصاحبه والخير يفعله مع كل إنسان يا ذا الجلالة والإكرام يا أملي اختم بخير وتوحيد وإيمان إن كان مولاي لا يرجوك ذو زلل بل من أطاعك من للمذنب الجاني عشر الثمانين يا مولاي قد سلبت أنوار عيني وسمعي ثم أسناني لا أستطيع قياماً غير معتمد ما بين اثنين شكوائي لرحماني أو شرحه أو شروحات الحديث وما يختص بالطب أو تفكيه أقران فالشيخ تعميره يفضي إلى هرم يذله أو عمى أو داء أزمان فموته ستره إذ لا محيص له عن الممات فكم يبقى لنقصان نعوذ باللَّه من شر الحياة ومن شر الممات وشر الإنس والجان إن الشيوخ كأشجار غدت حطبا فليس يرجي لها توريق أغصان لم يبق في الشيخ نفع غير تجربة وحسن رأي صفا من طول أزمان يا خالق الخلق يا من لا شريك له قد جئت ضيفاً لتقريني بغفران مولاي مالي سوى التوحيد من عمل فاختم به منعماً يا خير منان وقال في مدح كتب جالينوس أكرم بكتب لجالينوس قد جمعت ما قال بقراط والماضون في القدم كديسقوريدس علم الدواء له مسلم عند أهل الطب في الأمم فالطب عن ذين مع بقراط منتشر من بعدهم كانتشار النور في الظلم إلا الدواء فما تحصى منافعه وعده كثرة في العرب والعجم عد النجوم نبات الأرض أجمعها من ذا يعد جميع الرمل والأكم في كل يوم ترى في الأرض معجزة من التجارب والآيات والحكم ولابن البذوخ من الكتب شرح كتاب الفصول لأبقراط أرجوزة شرح كتاب تقدمة المعرفة لأبقراط أرجوزة كتاب ذخيرة الألباء المفرد في التأليف من الأشباه حواش على كتاب القانون لابن سينا‏.‏

 حكيم الزمان عبد المنعم الجلياني

هو حكيم الزمان أبو الفضل عبد المنعم بن عمر بن عبد اللّه بن حسان الغساني الأندلسي الجلياني كان علامة زمانه في صناعة الطب والكحل وأعمالهما بارعاً في الأدب وصناعة الشعر وعمل المديحات أتى من الأندلس إلى الشام وأقام بدمشق إلى حين وفاته وعمر عمراً طويلاً وكانت له دكان في اللبادين لصناعة الطب وكان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب يرى له ويحترمه وله في صلاح الدين مدائح كثيرة وصنف له كتباً وكان له منه الإحسان الكثير والإنعام الوافر وكان حكيم الزمان عبد المنعم يعاني أيضاً صناعة الكيمياء وتوفي بدمشق في ستمائة وخلف ولده عبد المؤمن بن عبد المنعم وكان كحالاً ويشعر أيضاً ويعمل مديحات وخدم بصناعة الكحل الملك الأشرف أبا الفتح موسى بن الملك العادل أبي بكر ابن أيوب وتوفي بمدينة الرها في عشرين وستمائة‏.‏

ومن شعر حكيم الزمان عبد المنعم الجلياني مما نقلته من خطه وهو أيضاً مما سمعته من أبي قال أنشدني الحكيم عبد المؤمن المذكور فمن ذلك قال يمدح الملك الناصر صلاح الدين أبا المظفر يوسف بن أيوب ووجهها إليه من مدينة دمشق إلى مخيمه المنصور بظاهر عكا وهو محاصر للفرنج المحاصرين لمدينة عكا فعرضت عليه في شهر صفر سنة سبع وثمانين وخمسمائة وهذه القصيدة تسمى التحفة الجوهرية رفاهية الشهم اقتحام العظائم طلاباً لعز أو غلاباً لضائم فلم يحظ بالعلياء من هاب صدمة فغض عناناً دون قرع الصوارم فأي اتضاح كان لا بعد مشكل وأي انفساح بان لا عن مآزم هي الهمة الشماء تلحظ غاية فترمي إليها عن قسي العزائم فما انساح سرب لم يصل سبب العلا ولا ارتاح ندب لم يصل بصوارم فليس بحي سالك في خسائس وليس بميت هالك في مكارم بعزة بأس واطلاع بصيرة وهزة نفس واتساع مراحم حظوظ كمال أظهرت من عجائب بمرآة شخص ما اختفى في العوالم وما يستطيع المرء يختص نفسه ألا إنما التخصيص قسمة راحم وأعظم أهل الفضل من ساد بالقوى فقاد بسبق الطبع أقوى الأعاظم ترى ضمت الأفلاك ملكاً كيوسف من الجبل اللاتي خلت في الأقادم فما مثل ملك ساسه في أحادث ولا مثل حرب هاجها في ملاحم أباني دار العدل في مارق الوغى بمسرب آن من دماء الغواشم فديتك من معل لدينك مبتن وأفديك من مبل لضدك هادم فأنت الذي أيقظت حزب محمد جهاداً وهم في غفلة المتناوم فحاربت للإيمان لا لضغائن ورابطت للرضوان لا لمغانم أجدك لن ينفك يضرب هكذا قبابك حيث اشتك سدم اللهاذم وفي حجرات النقع سيح صوارخ كأمواج لج للهضاب ملاطم فلا طنب إلا توثب مقدم ولا وتد إلا تجلد عارم فدارك والأبطال ثارث حيالها مقر سرور في مفر مآثم لأنك فيها إذ هفوا جالس على سرير ثبات مطمئن القوائم وأنك فيهم إذ سطوا خالس طلي كبير نياب مرجحن الشكائم فأنت المليك الناصر الحق ممعناً يرى دهم شوك الحرب مهد النواعم أتعشقك الهيجاء أم أنت عاشق لها في وصال من حبيبين دائم شتاء وصيفاً لا نزال نرا في مساء وصبح كالأذان الملازم فهجرت حتى قيل ليس بقائل وبيت حتى قيل ليس بنائم وأرجفت روماً إذ خرقت فرنجة فكانوا غثاء في سيول الهزائم كددتهم أعلى التلال كأنهم ضباب كدى فزّت لأضباب حاطم وفيت لهم حتى أحبوك ساطيا فهم وفاء العهد قيد المخاصم فخانوا فحابوا فانتدوا فتلاوموا فقالوا خذلنا بارتكاب الجرائم يعجل للمرء الجزاء بفعله فطوبى لصبار وبؤس لآثم وقد يفسد الحر الكريم جليسه وتضعف بالإيهام قوة حازم إذا لج لوم من سفيه لراشد توهم رشداً في سفاهة لائم عجبت من الإنسان يعجب وهو في نقائص أحوال قسيم السوائم يرى جوهر النفس الطليق فيزدهي ويذهل عن أعراض جسم لوازم ديون اضطرار تقتضي كل ساعة فتنقرض الأعمار بين المغارم وكل فمغرور بحب حياتي ويغريه بالأدنى خفاء الخواتم وجمَّاع مال لا انتفاع له به كما مص مشروطاً زجاج المحاجم يفيض وما أوعاه يرعاه مهدفاً لرشفة صاد أو لرشفة صادم ومن عرف الدنيا تيقن أنها مطية يقظان وطيفة حالم فلله ساع في مناهج طاعة لإيلاف عدل أو لإتلاف ظالم أفاتح بيت القدس سيفك مفتح لقفل الهدى مغلاق باب المآثم وإذ درجوا كالرمل أعجز عدة إلى تل عكا كالدبى المتراكم وكالنحل ملتفاً كوارثه هوى من التل تخشى منهم كالمرادم كأن لهم في تل عكا مصادة يحاش لهاأسراب وحش سوائم فسرب كسير موبق في حفائ وسرب حسير مرهق في مقاحم فكم ملك منهم أتاها بكثرة فزادهم نقصاً زيادة عادم يشقون من إسبان أثباج زاخر ومن رومة الكبرى فجاج مخارم فهالوا بنجدَيْ جاريات ووخد وذابوا بحديْ مخدم لك هاضم غلست الطراز الأخضر الرقم منهم بصوت نجيع أحمر القطر ساجم ولو أنبت المرج النفوس لأينعت بما ساح فيه عن حشا وغلاصم قليب كلى يسقى بأشطان ذابل وعين طلى تجري بميزاب صارم وأضلع فرسان نعال سوابك وأرؤس أعيان غواشي البراجم كذا فليرصع جوهر القول متحف به لمليك مثل يوسف عالم وما زلت أجلو من حلاه عرائساً يظل بها أهل النهى في ولائم بمنتظم التفضيل طلق كأنه مفلج ثغر مستنير المباسم معان كبهر السحر في عقد ناظر ولفظ كشذرالتبر في عقد ناظم سما عن حضيض الشعر في أوج حكمة وجل بصاحي الفكر عن نهج هائم ستنسى بذكراه أقاويل من مضى وينبت نوراً شائعاً في الأقالم كما شاع هذا الأمر في الخلق مزرياً بتبع أعراب وكسرى أعاجم ففرضاً أرى مدحي له متجنباً مديح سواه كاجتناب المحارم وليس اجتداء بل تحية شاكر وتأييد آثار وتأييد عازم فيا خير قوام على خير ملة يكافح عنها كل ألب مقاوم تمسك بحبل اللّه معتصماً به فليس سواه ناصر نصر عاصم تمسك بمن أعطاك ما قد رجوته ويعطيك ما ترجو لحسنى الخواتم بعثت بها والشوق يقدم ركبها إلى مجلس فيه منى كل قادم أقبل ذو دولة فقالوا لمثل ذا فاتخذ ملاذا فقلت للحاضرين حولي أجائز أن يموت هذا قالوا نعم قلت فهو طل يعطش من ظنه رذاذا قد ذل من لاذ بالفواني وعز من بالقديم لاذا وقال أيضاً من لم يسل عنك فلا تسألن عنه ولو كان عزيز النفر وكن فتى لم تدعه حاجة إلى امتهان النفس إلا نفر وقال أيضاً لا تصدّق عليك عقد صداق واغن بالمطل فيه عن ترويج ومتى ما ذكرت يوم الخطب فلتكن خطبة بلا تزويج وقال أيضاً قالوا نرى نفراً عند الملوك سموا وما لهم همة تسمو ولا ورع وأنت ذو همة في الفضل عالية فلم ظمئت وهم في الجاه قد كرعوا ولحكيم الزمان عبد المنعم الجلياني عدة من الكتب فما قاله من منظوم الكلام ومطلقه عشرة دواوين الأول ديوان الحكم وميدان الكلم يشتمل على الإشارة إلى كل غامض المدرك من العلم وإلى كل صادق المنسك من العمل وإلى كل واضح المسلك من الفضيلة وهو نظم والثاني ديوان المشوقات إلى الملأ الأعلى وهو نظم والثالث ديوان أدب السلوك وهو كلام مطلق يشتمل على مشارع كلمات الحكمة المبصرات والرابع كتاب نوادر الوحي وهو يشتمل على كلام حكمة مطلق في غريب معان من القرآن العظيم ومن حديث الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم والخامس كتاب تحرير النظر وهو يشتمل على كلمات حكمة مفردات في البسائط والمركبات والقوى والحركات والسادس كتاب سر البلاغة وصنائع البديع في فصل الخطاب والسابع ديوان المبشرات القدسيات وهو نظم وتدبيج وكلام مطلق يشتمل على وصف الحروب والفتوح الجارية على يد صلاح الدين أبي المظفر يوسف بن أيوب فاتح مدينة البيت المقدس في سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة والثامن ديوان الغزل والتشبيب والموشحات والدوبيتي وما يتصل به منظوماً والتاسع ديوان تشبيهات وألغاز ورموز وأحاجي وأوصاف وزجريات وأغراض شتى منظوماً والعاشر ديوان ترسل ومخاطبات في معان كثيرة وأصناف من الخطب والصدور والأدعية وله أيضاً من الكتب كتاب منادح الممادح وروضة المآثر والمفاخر من خصائص الملك الناصر صلاح

 أبو الفضل بن أبي الوقار

هو الشيخ الأجل العالم أبو الفضل إسماعيل بن أبي الوقار أصله من المعرة وأقام بدمشق وسافر إلى بغداد وقرأ على أفاضل الأطباء من أهلها واجتمع بجماعة من العلماء بها وأخذ عنهم ثم عاد إلى دمشق وكان متميزاً في صناعة الطب علمها وعملها كثير الخير محمود الطريقة حسن السيرة وافر الذكاء وكان في خدمة السلطان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي ويعتمد عليه في صناعة الطب وكان لايفارقه في السفر والحضر وله الحظ الوافر والإنعام الكثيرة وتوفي الملك العادل نور الدين وهو في حلب في العشر الأول من شهر ربيع الأول سنة أربع وخمسين وخمسمائة‏.‏

 مهذب الدين بن النقاش

هو الشيخ الإمام العالم أبو الحسن علي بن أبي عبد اللَّه عيسى بن هبة اللَّه النقاش مولده ومنشؤه ببغداد عالم بعلم العربية والأدب وكان يتكلم الفارسي واشتغل بصناعة الطب على الأجل أمين الدولة هبة اللَّه بن صاعد بن التلميذ ولازمه مدة واشتغل بعلم الحديث سمع ببغداد من أبي القاسم عمر بن الحصين وحدث عنه سمع منه القاضي عمر بن القرشي وروى عنه حديثاً في معجمه وكان أبو عبد اللَّه عيسى بن هبة اللَّه بن النقاش بزازاً أديباً قال عماد الدين أبو عبد اللَّه محمد بن حامد الأصبهاني الكاتب في كتاب الخريدة أنشدني مهذب الدين أبو الحسن علي بن النقاش لوالده إذا وجد الشيخ في نفسه نشاطاً فذلك موت خفي ألست ترى أن ضوء السراج له لهب قبل أن ينطفي قال وأنا لقيت أبا عبد اللَّه بن النقاش ببغداد وتوفي رحمه اللَّه في العشرين من جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وخمسمائة بها بعد مسيري إلى أصبهان قال وقرأت بخط السمعاني أنشدني أبو عبد اللّه النقاش لنفسه رزقت يساراً فوافيت من قدرت به حين لم يرزق وأملقت من بعده فاعتذرت إليه اعتذار أخ مملق وإن كان يشكر فيما مضى بذا فسيعذر فيما بقي قال قال وأنشدني لنفسه أيضاً من قطعة وكذا الرئيس فإنه عندي كمجرى الروح يجري أنكرت في دلف عليه تهتكا من بعد ستر قمر تراه إذا استمر كمثل أربعة وعشر يرفو بنجلاوين يسقم من سقامهما ويبري وإذا تبسم في دجا ليل شهدت له بفجر وبورد وجنته وحسن عذاره قد قام عذري أقول ولما وصل مهذب الدين بن النقاش إلى دمشق بقي بها يطلب وكان أوحد زمانه في صناعة الطب وله مجلس عام للمشتغلين عليه ثم توجه إلى الديار المصرية وأقام بالقاهرة مدة ثم رجع إلى دمشق ولم يزل مقيماً إلى حين وفاته وخدم بصناعة الطب الملك العادل نور الدين بن محمود بن زنكي وكان يعاني أيضاً كتابة الإنشاء وكتب كثيراً لنور الدين المراسلات والكتب إلى سائر النواحي وكان مكيناً عنده وخدم أيضاً في البيمارستان الكبير الذي أنشأه الملك العادل نور الدين بدمشق وبقي به سنين وكتب الأمير مؤيد الدولة أبو المظفر أسامة بن منقذ إلى مهذب الدين بن النقاش يستهدي دهن بلسان ركبتي تخدم المهذب في العلم وفي كل حكمة وبيان وهي تشكو إليه تأثير طول العمر في ضعفها وطول الزمان فلها فاقة إلى ما يقويها على مشيها من البلسان رغبة في الحياة من بعد طول العمر والموت غاية الإنسان فبعث إليه ما أراد من ذلك ولم يزل في خدمة نور الدين إلى أن توفي رحمه اللَّه وكانت وفاة نور الدين في شوال سنة تسع وستين وخمسمائة بدمشق وخدم مهذب الدين ابن النقاش أيضاً بصناعة الطب بعد ذلك للملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب لما ملك دمشق وحظي عنده وكان مهذب الدين بن النقاش كثير الإحسان محباً للجميل يؤثر التخصص ولم يتخذ امرأة ولا خلف ولداًًً وكانت وفاته رحمه اللَّه بدمشق في يوم السبت ثاني عشر محرم سنة أربع وسبعين وخمسمائة ودفن بها في جبل قاسيون‏.‏

 أبو زكريا يحيى البياسي

هو أمين الدين أبو زكريا يحيى بن إسماعيل الأندلسي البياسي من الفضلاء المشهورين والعلماء المذكورين قد أتقن الصناعة الطبية وتميز في العلوم الرياضية وصل من المغرب إلى ديار مصر وأقام بالقاهرة مدة ثم توجه إلى دمشق وقطن بها وقرأ على مهذب الدين أبي الحسن علي بن علي بن هبة اللَّه المعروف بابن النقاش البغدادي ولازمه وكتب الستة عشر لجالينوس وقرأها عليه وكتب بخطه كتباً كثيرة جداً في الطب وغيره وكان يعرف النجارة وعمل لابن النقاش آلات كثيرة تتعلق بالهندسة وكان أبو زكريا يحيى البياسي جيد اللعب بالعود وعمل الأرغن أيضاً وحاول اللعب به وكان يقرأ عليه علم الموسيقا وخدم الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بصناعة الطب وبقي معه مدة في البيكار ثم استعفى من ذلك وطلب المقام بدمشق فأطلق له الملك الناصر جامكية وبقي مقيماً في دمشق وهو يتناولها إلى أن توفي رحمه اللّه‏.‏

 سكرة الحلبي

كان شيخاً قصيراً من يهود مدينة حلب وكانت له دربة بالعلاج وتصرف في المداواة حدثني الشيخ صفي الدين خليل بن أبي الفضل بن منصور التنوخي الكاتب اللاذقي قال كان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي بحلب وكانت له في القلعة بها حظية يميل إليها كثيراً ومرضت مرضاً صعباً وتوجه الملك العادل إلى دمشق وبقي قلبه عندها وكل وقت يسأل عنها فتطاول مرضها وكان يعالجها جماعة من أفاضل الأطباء وأحضر إليها الحكيم سكرة فوجدها قليلة الأكل متغيرة المزاج لم تزل جنبها إلى الأرض فتردد إليها مع الجماعة ثم استأذن الخادم في الحضور إليها وحده فأذنت له فقال لها يا ستي أنا أعالجك بعلاج تبرئي به في أسرع وقت إن شاء اللّه تعالى وما تحتاجي معه إلى شيء آخر فقالت افعل فقال أشتهي إن مهما أسألك عنه تخبريني به ولا تخفيني فقالت نعم وأخذ منها أماناً فقال تعرفيني ما جنسك فقالت علانية فقال العلان في بلادهم نصارى فعرفيني أيش كان أكثر أكلك في بلدك فقالت لحم البقر فقال يا ستي وما كنت تشربين من النبيذ الذي عندهم فقالت كذا كان فقال أبشري بالعافية وراح إلى بيته واشترى عجلاً وذبحه وطبخ منه وجاب معه في زبدية منه قطع لحم مسلوق وقد جعلها في لبن وثوم وفوقها رغيف خبز فأحضره بين يديها وقال كلي فمالت نفسها إليه وصارت تجعل اللحم في اللبن والتوم وتأكل حتى شبعت ثم بعد ذلك أخرج من كمه برنية صغيرة وقال ياستي هذا شراب ينفعك فتناوليه فشربته وطلبت النوم وغطيت بقرجة فرو سنجاب فعرقت عرقاً كثيراً وأصبحت في عافية وصار يجيب لها من ذلك الغذاء والشراب يومين آخرين فتكاملت عافيتها فأنعمت عليه وأعطته صينية مملوءة حلياً فقال أريد مع هذا أن تكتبي لي كتاباً إلى السلطان وتعرفيه ما كنت فيه من المرض وأنك تعافيت على يدي فوعدته بذلك وكتبت إلى السلطان تشكر منه وتقول له فيها أنها كانت قد أشرفت على الموت وأن فلاناً عالجني وما وجدت العافية إلا على يديه وجميع الأطباء الذين كانوا عندي ما عرفوا مرضي وطلبت منه أن يحسن إليه فلما قرأ الكتاب استدعاه واحترمه وقال له هم شاكرون من مداواتك فقال يا مولانا كانت من الهالكين وإنما اللَّه عز وجل جعل عافيتها على يدي لبقية أجل كان لها فاستحسن قوله وقال أيش تريد أعطيك فقال يا مولانا تطلق لي عشر فدادين خمسة في قرية صمع وخمسة في قرية عندان فقال نطلقها لك بيعاَ وشراء حتى تبقى مؤبدة لك وكتب له بذلك وخلع عليه وعاد إلى حلب وكثرت أمواله بها ولم يزل في نعمة طائلة بها وأولاده بعده‏.‏

 عفيف بن سكرة

هو عفيف بن عبد القاهر سكرة يهودي من أهل حلب عارف بصناعة الطب مشهور بأعمالها وجودة النظر فيها له أولاد وأهل أكثرهم مشتغلون بصناعة الطب ومقامهم بمدينة حلب ولعفيف بن سكرة من الكتب مقالة في القولنج ألفها للملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وذلك في سنة أربع وثمانين وخمسمائة‏.‏

 ابن الصلاح

هو الشيخ العالم نجم الدين أبو الفتوح أحمد بن محمد بن السري وكان يعرف بابن الصلاح فاضل في العلوم الحكمية جيد المعرفة بها مطلع على دقائقها وأسرارها فصيح اللسان قوي العبارة مليح التصنيف متميز في علم صناعة الطب وكان أعجمياً أصله من همدان وقطن ببغداد واستدعاه حسام الدين تمرتاش بن الغازي بن أرتق إليه وأكرمه غاية الإكرام وبقي في صحبته مدة ثم توجه ابن الصلاح إلى دمشق ولم يزل بها إلى أن توفي وكانت وفاته رحمه اللّه بدمشق ليلة الأحد سنة نيف وأربعين خمسمائة ودفن في مقابر الصوفية عند نهر بانياس بظاهر دمشق‏.‏

ونقلت من خط الشيخ الحكيم أمين الدين أبي زكريا يحيى بن إسمعيل البياسي رحمه اللّه قال كان قد ورد إلى دمشق الشيخ الإمام العالم الفيلسوف أبو الفتوح بن الصلاح من بغداد ونزل عند الشيخ الحكيم أبي الفضل إسمعيل بن أبو الوقار الطبيب وارد ابن الصلاح أن يستعمل له تمشكا بغداديا وسأل عن صانع مجيد لعمل ذلك فدل على رجل يقال له سعدان الإسكاف فاستعمل التمشك عنده ولما فرغ منه بعد مدة وجده ضيق الصدر زائد الطول رديء الصنعة فبقي في أكثر أوقاته يعيبه ويستقبح صنعته ويلوم الذي استعمله وبلغ ذلك الشيخ أبا الحكم المغربي الطبيب فقال على لسان الفيلسوف هذه القصيدة على سبيل المجون وذكر فيها أشياء كثيرة من اصطلاحات المنطق والألفاظ الحكمية والهندسية وهي مصابي مصاب تاه في وصفه عقلي وأمري عجيب شرحه يا أبا الفضل أبثك ما بي من أسى وصبابة وما قد لقيت في دمشق من الذل قدمت إليها جاهلاً بأمورها على أنني حوشيت في العلم من جهل فقلت عسى أن يخلف الدهر مثله وهيهات أن ألقاه في الحزن والسهل ولاحقني نذل دهيت بقربه فلله ما قاسيت من ذلك النذل فقلت له يا سعد جد لي بحاجة تحوز بها شكر امرئ عالم مثلي بحقي عسى تستنخب اليوم قطعة من الأدم المدبوغ بالعفص والخل فقال على رأسي وحقك واجب على كل إنسان يرى مذهب العقل فناولته في الحال عشرين درهما وسوفني شهرين بالدفع والمطل فلما قضى الرحمن لي بنجازه وقلت ترى سعدان أنجز لي شغلي أتى بتمشك ضيق الصدر أحنف بكعب غدا حتفاً على الكعب والرجل وبشتيكه بشتيك سوء مقارب أضيف إلى نعل شبيه به فسل بشكل على الأذهان يعسر حله ويعي ذوي الألباب والعقد والحل وكعب إلى القطب الشمالي مائل ووجه إلى القطب الجنوبي مستعلي وما كان في هندامه لي صحة ولكن فساد شاع في الفرع والأصل وفيه اختلال من قياس مركب فلا ينتج الشرطي منه ولا الحملي ومن عظم ما قاسيت من ضيق بأسه أخاف على جسمي من السقم والسل فيا لتمشك مذ تأملت شكله علمت يقيناً أنه موجب قتلي وينشد من يأتيه نعيي بجلق بنا منك فوق الرمل ما بك في الرمل فلا تعجبوا مهما دهاني فإنني وجدت به ما لم يجد أحد قبلي ولابن الصلاح من الكتب مقالة في الشكل الرابع من أشكال القياس الحملي وهذا الشكل المنسوب إلى جالينوس كتاب في الفوز الأصغر في الحكمة شهاب الدين السهروردي هو الإمام الفاضل أبو حفص عمر بن كان أوحداً في العلوم الحكمية جامعاً للفنون الفلسفية بارعاً في الأصول الفلكية مفرط الذكاء جيد الفطرة فصيح العبارة لم يناظر أحداً إلا بزّه ولم يباحث محصلاً إلا أربى عليه وكان علمه أكثر من عقله حدثني الشيخ سديد الدين بن عمر قال كان شهاب الدين السهروردي قد أتى إلى شيخنا فخر الدين المارديني وكان يتردد إليه في أوقات وبينهما صداقة وكان الشيخ فخر الدين يقول لنا ما أذكى هذا الشاب وأفصحه ولم أجد أحداً مثله في زماني إلا أني أخشى عليه لكثرة تهوره واستهتاره وقلة تحفظه أن يكون ذلك سبباً لتلافه قال فلما فارقنا شهاب الدين السهروردي من الشرق وتوجه إلى الشام أتى إلى حلب وناظر بها الفقهاء ولم يجاره أحد فكثر تشنيعهم عليه فاستحضره السلطان الملك الظافر غازي بن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب واستحضر الأكابر من المدرسين والفقهاء والمتكلمين ليسمع ما يجري بينهم وبينه من المباحث والكلام فتكلم معهم بكلام كثير بان له فضل عظيم وعلم باهر وحسن موقعه عند الملك الظاهر وقربه وصار مكيناً عنده مختصاً به فازداد تشنيع أولئك عليه وعملوا محاضرة بكفره وسيروها إلى دمشق إلى الملك الناصر صلاح الدين وقالوا إن بقي هذا فإنه يفسد اعتقاد الملك الظاهر وكذلك إن أطلق فإنه يفسد أي ناحية كان بها من البلاد وزادوا عليه أشياء كثيرة من ذلك فبعث صلاح الدين إلى ولده الملك الظاهر بحلب كتاباً في حقه بخط القاضي الفاضل وهو يقول فيه إن هذا الشهاب السهروردي لا بد من قتله ولا سبيل أنه يطلق ولا يبقى بوجه من الوجوه ولما بلغ شهاب الدين السهروردي ذلك وأيقن أنه يقتل وليس جهة إلى الإفراج عنه اختار أنه يترك في مكان مفرد ويمنع من الطعام والشراب إلى أن يلقى اللّه تعالى ففعل به ذلك وكان في أواخر سنة ست وثمانين وخمسمائة بقلعة حلب وكان عمره نحو ست وثلاثين سنة قال الشيخ سديد الدين محمود بن عمرولما بلغ شيخنا فخرالدين المارديني قتله قال لنا أليس كنت قلت لكم عنه هذا من قبل وكنت أخشى عليه منه‏.‏

أقول ويحكى عن شهاب الدين السهروردي أنه كان يعرف علم السيمياء وله نوادر شوهدت عنه من هذا الفن ومن ذلك حدثني الحكيم إبراهيم بن أبي الفضل بن صدقة أنه اجتمع به وشاهد منه ظاهر باب الفرج وهم يتمشون إلى ناحية الميدان الكبير ومعه جماعة من التلاميذ وغيرهم وجرى ذكر هذا الفن وبدائعه وما يعرف منه وهو يسمع فمشى قليلاً وقال ما أحسن دمشق وهذه المواضع قال فنظرنا وإذا من ناحية الشرق جواسق عالية متدانية بعضها إلى بعض مبيضة وهي من أحسن ما يكون بناية وزخرفة وبها طاقات كبار فيها نساء ما يكون أحسن منهم قط وأصوات مغان وأشجار متعلقة بعضها مع بعض وأنهار جارية كبار ولم نكن نعرف ذلك من قبل فبقينا نتعجب من ذلك وتستحسنه الجماعة وانذهلوا لما رأوا قال الحكيم فبقينا كذلك ساعة ثم غاب عنا وعدنا إلى رؤية ما كنا نعرفه من طول الزمان قال لي إلا أن عند رؤية تلك الحالة الأولى العجيبة بقيت أحس في نفسي كأنني في سنة خفية ولم يكن إدراكي كالحالة التي أتحققها مني وحدثني بعض فقهاء العجم قال كنا مع الشيخ شهاب الدين عبد القابون ونحن مسافرون عن دمشق فلقينا قطيع غنم مع تركماني فقلنا للشيخ يا مولانا نريد من هذا الغنم رأساً نأكله فقال معي عشرة دراهم خذوها واشتروا بها رأس غنم وكان ثم تركماني فاشترينا منه رأساً بها فمشينا فلحقنا رفيق له وقال ردوا الرأس وخذوا أصغر منه فإن هذا ما عرف بيعكم يسوي هذا الرأس البختية الذي معكم أكثر من الذي قبض منكم وتقاولنا نحن وإياه ولما عرف الشيخ ذلك قال لنا خذوا الرأس وامشوا وأنا أقف معه وأرضيه فتقدمنا وبقي الشيخ يتحدث معه ويمنيه فلما أبعدنا قليلاً تركه وتبعنا وبقي التركماني يمشي خلفه ويصيح به وهو لا يلتفت إليه ولما لم يكلمه لحقه بغيظ وجذب يده اليسرى وقال أين تروح وتخليني وإذا بيد الشيخ قد انخلعت من عند كتفه وبقيت في يد التركماني ودمها يجري فبهت التركماني وتحير في أمره ورمى اليد وخاف فرجع الشيخ وأخذ تلك اليد بيده اليمنى ولحقنا وبقي التركماني راجعاً وهو يتلفت إلينا حتى غاب ولما وصل الشيخ إلينا رأينا في يده اليمنى منديله لا غير‏.‏

وحدثني صفي الدين خليل بن أبي الفضل الكاتب قال حدثنا الشيخ ضياء الدين ابن صقر رحمه اللّه أن في سنة خمسمائة وتسعة وسبعين قدم إلى حلب الشيخ شهاب الدين عمر السهروردي ونزل في مدرسة الجلاوية وكان مدرسها يومئذ الشريف رئيس الحنفية افتخار الدين رحمه اللّه فلما حضر شهاب الدين الدرس وبحث مع الفقهاء وكان لابس دلق وهو مجرد بإبريق وعكاز وما كان أحد يعرفه فلما بحث وتميز بين الفقهاء وعلم افتخار الدين أنه فاضل أخرج له ثوباً عتابياً وغلالة ولباساً وبقياراً وقال لولده تروح إلى هذا الفقير وتقول له والدي يسلم عليك ويقول لك أنت رجل فقيه وتحضر الدرس بين الفقهاء وقد سير لك شيئاً تكون تلبسه إذا حضرت فلما وصل ولده إلى الشيخ شهاب الدين وقال له ما أوصاه سكت ساعة وقال يا ولدي حط هذا القماش وتفضل اقض لي حاجة وأخرج له فص بلخش في قدر بيضة الدجاجة رماني ما ملك أحدمثله في قده ولونه وقال تروح إلى السوق تنادي على هذا الفص ومهما جاب لا تطلق بيعه حتى تعرفني فلما وصل به إلى السوق عند العريف ونادى على الفص فانتهى ثمنه إلى مبلغ خمسة وعشرين ألف درهم فأخذه العريف وطلع إلى الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين وهو يومئذ صاحب حلب وقال هذا الفص قد جاب هذا الثمن فأعجب الملك الظاهر قده ولونه وحسنه فبلغه إلى ثلاثين ألف درهم فقال العريف حتى أنزل إلى ابن افتخار الدين وأقول له وأخذ الفص ونزل إلى السوق وأعطاه له وقال له رح شاور والدك على هذا الثمن واعتقد العريف أن الفص لافتخار الدين فلما جاء إلى شهاب الدين السهروردي وعرفه بالذي جاب الفص صعب عليه وأخذ الفص وجعله على حجر وضربه بحجر آخر حتى فتته وقال لولد افتخار الدين خذ يا ولدي هذه الثياب ورح إلى والدك قبل يده عني وقل له لو أردنا الملبوس ما غلبنا عنه فراح إلى افتخار الدين وعرفه صورة ما جرى فبقي حائراً في قضيته وأما الملك الظاهر فإنه طلب العريف وقال أريد الفص فقال يا مولانا أخذه صاحبه ابن الشريف افتخار الدين مدرس الجلاوية فركب السلطان ونزل إلى المدرسة وقعد في الإيوان وطلب افتخار الدين إليه وقال أريد الفص فعرفه أنه لشخص فقير نازل عنده قال فأفكر السلطان ثم قال يا افتخار الدين إن صدق حدسي فهذا شهاب الدين السهروردي ثم قام السلطان واجتمع بشهاب الدين وأخذه معه إلى القلعة وصار له شأن عظيم وبحث مع الفقهاء في سائر المذاهب وعجّزهم واستطال على أهل حلب وصار يكلمهم كلام من هو أعلى قدراً منهم فتعصبوا عليه وأفتوا في دمه حتى قتل وقيل إن الملك الظاهر سير إليه من خنقه قال ثم إن الملك الظاهر بعد مدة نقم على الذين أفتوا في دمه وقبض عل جماعة منهم واعتقلهم وأهانهم وأخذ منهم أموالاً عظيمة‏.‏

حدثني سديد الدين محمود بن عمر المعروف بابن رقيقة قال كان الشيخ شهاب الدين السهروردي رث البزة لا يلتفت إلى ما يلبسه ولا له احتفال بأمور الدنيا قال وكنت أنا وإياه نتمشى في جامع ميافارقين وهو لابس جبة قصيرة مضربة زرقاء وعلى رأسه فوطة مفتولة وفي رجليه زربول ورآني صديق لي فأتى إلى جانبي وقال ما جئت تماشي إلا هذا الخربند فقلت له اسكت هذا سيد الوقت شهاب الدين السهروردي فتعاظم قولي وتعجب ومضى‏.‏

وحدثني بعض أهل حلب قال لما توفي شهاب الدين رحمه اللّه ودفن بظاهر مدينة حلب قد كان صاحب هذا القبر جوهرة مكنونة قد براها اللّه من شرف فلم تكن تعرف الأيام قيمته فردها غيرة منه إلى الصدف ومن كلامه قال في دعاء اللهم يا قيام الوجود وفائض الجود ومنزل البركات ومنتهى الرغبات منور النور ومدبر الأمور وواهب حياة العالمين أمددنا بنورك ووفقنا لمرضاتك وألهمنا رشدك وطهرنا من رجس الظلمات وخلصنا من غسق الطبيعة إلى مشاهدة أنوارك ومعاينة أضوائك ومجاورة مقربيك وموافقة سكان ملكوتك واحشرنا مع الذين أنعمت عليهم من الملائكة والصديقين والأنبياء والمرسلين‏.‏

ومن شعر شهاب الدين السهروردي أبداً تحن إليكم الأرواح ووصالكم ريحانها والراح وقلوب أهل ودادكم تشتاقك وإلى لذيذ وصالكم ترتاح وارحمتا للعاشقين تكلفوا ستر المحبة والهوى فضاح بالسر إن باحوا تباح دماؤهم وكذا دماء البائحين تباح وإذا هم كتموا تحدث عنهم عند الوشاة المدمع السحاح وبدت شواهد للسقام عليهم فيها لمشكل أمرهم إيضاح فإلى لقاكم نفسه مشتاقة وإلى رضاكم طرفه طماح عودوا بنور الوصل من غسق الدجا فالهجر ليل والوصال صباح وتمتعوا فالوقت طاب لكم وقد رق الشراب ودارت الأقداح مترنحاً وهو الغزال الشارد وبخده الصهباء والتفاح وبثغره الشهد الشهي وقد بدا في أحسن الياقوت منه أقاح وقال عند وفاته وهو يجود بنفسه لما قتل‏:‏ قل لأصحاب رأوني ميتا فبكوني إذ رأوني حزنا لا تظنوني بأني ميت ليس ذا الميِّت واللّه أنا أنا عصفور وهذا قفصي طرت عنه فتخلى رهنا وأنا اليوم أناجي ملأ وأرى اللّه عياناً بهنا فاخلعوا الأنفس عن أجسادها لترون الحق حقاً بينا لا ترعكم سكرة الموت فما هي إلا انتقال من هنا فارحموني ترحموا أنفسكم واعلموا أنكم في أثرنا من رآني فليقوِّ نفسه إنما الدنيا على قرن الفنا وعليكم من كلامي جملة فسلام اللّه مدح وثنا ولشهاب الدين السهروردي من الكتب كتاب التلويحات اللوحية والعرشية كتاب الألواح العمادية ألفه لعماد الدين أبي بكر بن قرا أرسلان بن داود بن أرتق صاحب خرت برت كتاب اللحمة كتاب المقاومات وهو لواحق على كتاب التلويحات كتاب هياكل النور كتاب المعارج كتاب المطارحات كتاب حكمة الإشراق

 شمس الدين الخويي

هو الصدر الإمام العالم الكامل قاضي القضاة شمس الدين حجة الإسلام سيد العلماء والحكام أبو العباس أحمد بن الخليل بن سعادة بن جعفر بن عيسى من مدينة خوي كان أوحد زمانه في العلوم الحكمية وعلامة وقته في الأمور الشرعية عارفاً بأصول الطب وغيره من أجزاء الحكمة عاقلاً كثير الحياء حسن الصورة كريم النفس محباً لفعل الخير وكان رحمه اللّه ملازماً للصلاة والصيام وقراءة القرآن ولما ورد إلى الشام في أيام السلطان الملك المعظم عيسى بن الملك العادل استحضره وسمع كلامه فوجده أفضل أهل زمانه في سائر العلوم وكان الملك المعظم عالماً بالأمور الشرعية والفقه فحسن موقعه عنده وأكرمه وأطلق له جامكية وجراية وبقي معه في الصحبة ثم جعله مقيماً بدمشق وله منه الذي له وقرأ عليه جماعة من المشتغلين وانتفعوا به وكنت أتردد إليه وقرأت عليه التبصرة لابن سهلان وكان حسن العبارة قوي البراعة فصيح اللسان بليغ البيان وافرالمروة كثير الفتوة وكان شيخه الإمام فخر الدين بن خطيب الري لحقه وقرأ عليه ثم ولاه الملك المعظم القضاء وجعله قاضي القضاة بدمشق وكان مع ذلك كثير التواضع لطيف الكلام يمضي إلى الجامع ماشياً للصلوات في أوقاتها وله تصانيف لا مزيد عليها في الجودة وكان ساكناً في المدرسة العادلية ويلقي بها الدرس للفقهاء ولم يزل على هذه الحال إلى أن توفي رحمه اللّه وهو في سن الشباب وكانت وفاته بحمى الدق بدمشق وذلك في شهر شعبان سنة سبع وثلاثين وستمائة‏.‏

ولشمس الدين الخويي من الكتب تتمة تفسير القرآن لابن خطيب الري كتاب في النحو كتاب في علم الأصول كتاب يشتمل على رموز حكمية على ألقاب السلطان الملك المعظم صنفه للملك المعظم عيسى بن أبي بكر بن أيوب‏.‏

هو القاضي الأجل الإمام العالم رفيع الدين أبو حامد عبد العزيز بن عبد الواحد بن إسمعيل بن عبد الهادي الجيلي من أهل فيلمان شهر من الجيلان وكان من الأكابر المتميزين في العلوم الحكمية وأصول الدين والفقه والعلم الطبيعي والطب وكان مقيماً بدمشق وهو فقيه في المدرسة العذراوية داخل باب النصر وله مجلس للمشتغلين عليه في أنواع العلوم والطب وقرأت عليه شيئاً من العلوم الحكمية وكان فصيح اللسان قوي الذكاء كثير الاشتغال والمطالعة واستخدم قاضياً في مدينة بعلبك وبقي بها مديدة وكان صديقاً للصاحب أمين الدولة وبينهما عشرة ولما تملك السلطان الملك الصالح عماد الدين إسمعيل دمشق وتوفي قاضي القضاة شمس الدين الخويي رحمه اللّه فأشار الصاحب أمين الدولة أن يجعل موضعه فولاه السلطان وصار قاضي القضاة بدمشق وارتفعت منزلته وأثرى وبقي كذلك مدة وكان كثير من الناس يتظلمون منه ويشكون سيرته وبالجملة فإن الحال تأدى به إلى أن قبض عليه وقتل رحمه اللّه في أيام الملك الصالح إسمعيل وكان قد وقع بين القاضي رفيع الدين وبين الوزير أمين الدولة فبعثوه تحت الحوطة مع رجال عوامله إلى قريب بعلبك في موضع فيه هوة عظيمة لا يعرف لها قعر يقال لها مغارة افقه وكانوا أمروهم بما يفعلونه به فكتفوه ثم دفعوه في وسطها وحدثنا بعض الذين كانوا معه أنه لما دفع في تلك الهوة تحطم في نزوله وكأنه تعلق في بعض جوانبها أسفل بثيابه قال فبقينا أقول ومن عجيب ما يحكى أن القاضي رفيع الدين وقف على نسخة من هذا الكتاب بحضوري وما كنت ذكرته في تلك النسخة فطالع فيه ولما وقف على أخبار شهاب الدين السهروردي تأثر من ذلك وقال لي ذكرت هذا وغيره أفضل منه ما ذكرته وأشار إلى نفسه ثم قال وأيش كان من حال شهاب الدين إلا أنه قتل في آخر أمره وقدر اللّه عز وجل أن رفيع الدين قتل أيضاً مثله فسبحان اللّه العظيم المدبر في خلقه بما يشاء وكانت وفاة القاضي رفيع الدين في شهر ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وستمائة ولماكان رفيع الدين قد تولى القضاء بدمشق وصار قاضي القضاة وذلك سنة ثمان وثلاثين وستمائة عملت فيه هذه القصيدة وأهنئه فيها مجد وسعد دائم وعلاء أبد الزمان ورفعة وسناء ببقاء مولانا رفيع الدين ذي الجود العميم ومن له النعماء قاضي القضاة أجل مولى لم يزل بعلاه يسمو العلم والعلماء متفرد بالمكرمات وإنما كل الورى في بعضها شركاء لو رام كل بليغ قول أنه يحصي علاه لقصر البلغاء كم من عداة شاهدين بفضله والفضل ما شهدت به الأعداء وبه لجيل في البلاد مفاخر وكذا لهذا الجيل منه علاء يا سيداً فاق الأنام حقيقة بجميل وصف ليس فيه خفاء قد كان عندي من فراقك والنوى ألم ومن رؤياك جاء شفاء وأتى إلى قلبي السرور وأشرقت شمس الحبور وزالت البرحاء وبدت تباشير الهناء بمنصب يعلوه من نور الإله بهاء إحكام أحكام وعدل شائع ملئت به وبفضلك الغبراء وتفرقت في الناس منك فواضل وتجمعت منهم لك الأهواء فلك السيادة والسعادة والعلا والفضل والأفضال والآلاء والمشتري للحمد أنت وإن تقل فصل الخطاب فإنك الجوزاء ولئن خصصتك بالهناء فإنه عم الأنام بما وليت هناء للّه كم أوليتني منناً على مر الزمان وما لها إحصاء فاسلم ودم في رغد عيش دائم ما غردت في أيكها الورقاء

 شمس الدين الخسروشاهي

هو السيد الصدر الكبير العلم شمس الدين عبد الحميد بن عيسى الخسروشاهي وخسروشاه ضيعة قريبة من تبريز إمام العلماء سيد الحكماء قدوة الأنام شرف الإسلام قد تميز في العلوم الحكمية وحرر الأصول الطبية وأتقن العلوم الشرعية ولم يزل دائم الاشتغال جامعاً للفضل والأفضال وكان شيخه الإمام فخر الدين بن خطيب الري وهو من أجل تلامذته ومن حيث وصل إلى الشام اتصل بخدمة السلطان الملك الناصر صلاح الدين داود بن الملك المعظم وأقام عنده بالكرك وهو عظيم المنزلة عنده وله منه الإحسان الكثير والإنعام الغزير ثم توجه شمس الدين بعد ذلك إلى دمشق وأقام بها إلى أن توفي رحمه اللّه وكانت وفاته في شهر شوال سنة اثنتين وخمسين وستمائة ودفن بجبل قاسيون ولما وصل إلى دمشق اجتمعت به فوجدته شيخاً حسن السمت مليح الكلام قوي الذكاء محصلاً للعلوم ورأيته يوماً وقد أتى إليه بعض فقهاء العجم بكتاب دقيق الخط ثمن البغدادي معتزلي التقطيع فلما نظر فيه صار يقلبه ويضعه على رأسه فسألته عن ذلك فقال هذا خط شيخنا الإمام فخر الدين الخطيب رحمه اللّه فعظم عندي قدره لتعظيمه شيخه ولما توفي شمس الدين الخسروشاهي رحمه اللّه بموتك شمس الدين مات الفضائل وأردى ببدر الفضل والبدر كامل فتى علم بالحق بالخير عامل وما كل ذي علم من الناس عامل فتى بذ كل القائلين بصمته فكيف إذا وافيته وهو قائل وكنا لحل المشكلات نعده إذا أعيت الحذّاق منا المسائل فرب الحجا من بعده اليوم قد خلا وحيد المعالي من حلى الفضل عاطل أتدري المنايا من رمت بسهامها وأي فتى أودى وغال الغوائل رمت أوحد الدنيا وبحر علومها ومن قصرت في الفضل عنه الأوائل ولو كان بالفضل الفتى يدفع الردى لما غيبت عبد الحميد الجنادل ولكن دفع الموت ما فيه حيلة ولا في بقاء المرء يطمع آمل فبعدك شمس الدين أعوز عالم وأبدى الدعاوى في المحافل جاهل وقال الصاحب نجم الدين اللبودي يرثيه‏:‏ أيا ناعياً عبد الحميد تصبراً عليَّ فإن العلم أدرج في كفن تقول له أهلاً وسهلاً ومرحباً بخير فتى وافى إلى ذلك الوطن إلى معشر أضحى الوجود ذواتهم فليس لهم إلف يعوق ولا سكن وحسبك من ذات هي العين حقة فليس بها إفك ولا عندها إحن تبيت ترى ذات الذوات بمرصد تعالى عن الأكوان والكون والزمن لك اللّه شمس الدين كم شدت معلماً من الحق أسنى ذا لسان له لسن مصابك شمس الدين تسلية لنا ومثلي من أضحى بمثلك يمتحن ولشمس الدين الخسروشاهي من الكتب مختصر كتاب المهذب في الفقه على مذهب الإمام الشافعي لأبي إسحق الشيرازي مختصر كتاب الشفاء للرئيس بن سينا تتمة كتاب الآيات البينات لابن خطيب الري وكان وصل فيها في الشكل الثاني وهذه الآيات البينات غير النسخة الصغيرة المعروفة التي هي عشرة أبواب 222 سيف الدين الآمدي هو الإمام الصدر العالم الكامل سيف الدين أبو الحسن علي بن أبي علي بن محمد بن سالم التغلبي الآمدي أوحد الفضلاء وسيد العلماء كان أذكى أهل زمانه وأكثرهم معرفة بالعلوم الحكمية والمذاهب الشرعية والمبادئ الطبية بهي الصورة فصيح الكلام جيد التصنيف وكان قد خدم الملك المنصور ناصر الدين أبا المعالي محمد بن الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب صاحب حماة وأقام بخدمته بحماة سنين وله منه الجامكية السنية والإنعام الكثير وكان من أكابر الخواص عنده ولم يزل في خدمته إلى أن توفي الملك المنصور وذلك في سنة سبع عشرة وستمائة فتوجه إلى دمشق ولما دخلها أنعم عليه الملك المعظم شرف الدين عيسى بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب إنعاماً وأكرمه غاية الإكرام وولاه التدريس وكان إذا نزل وجلس في المدرسة وألقى الدرس والفقهاء عنده يتعجب الناس من حسن كلامه في المناظرة والبحث ولم يكن أحد يماثله في سائر العلوم وكان نادراً أن يقرئ أحداً شيئاً من العلوم الحكمية وكنت اجتمعت به واشتغلت عليه في كتاب رموز الكنوز من تصنيفه وذلك لمودة أكيدة كانت بينه وبين أبي وأول اجتماعي به دخلت أنا وأبي إليه إلى داره وكان ساكناً بدمشق في قاعة عند المدرسة العادلية فلما جلسنا عنده بعد السلام وتفضل بحسن التودد والكلام نظر وقال بهذا اللفظ ما رأيت ولداً أشبه بوالد منكما‏.‏

وأنشدني الصاحب فخر القضاة بن بصاقة لنفسه وقد تشفع به العماد بن السلماسي إلى سيف الدين الآمدي بأن يشتغل عليه يا سيداً جمل اللَّه الزمان به وأهله من جميع العجم والعرب ومثل مولاي من جاءت مواهبه عن غير وعد وجدواه بلا طلب فأصف من بحرك الفياض مورده وأغنه من كنوز العلم لا الذهب واجعل له نسباً يدلي إليك به فلحمة العلم تعلو لحمة النسب ولا تكله إلى الكتب تنبئه فالسيف أصدق أنباء من الكتب أقول وقد جاء في هذا البيت أحسن ما يكون من تضمين قول أبي تمام لاشتراك لفظه السيف ولم يزل سيف الدين مقيماً بدمشق إلى أن توفي رحمه اللَّه وكانت وفاته في رابع شهر صفر سنة إحدى وثلاثين وستمائة‏.‏

ومن شعر سيف الدين الآمدي أنشدني ولده جمال الدين محمد مما أنشده والده سيف الدين لنفسه فلا فضيلة إلا من فضائله ولا غريبة إلا هو منشأها حاز الفخار بفضل العلم وارتفعت به الممالك لما أن تولاها فهو الوسيلة في الدنيا لطالبها وهو الطريق إلى الزلفى بأخراها ولسيف الدين الآمدي من الكتب كتاب دقائق الحقائق كتاب رمز الكنوز كتاب لباب الألباب كتاب أبكار الأفكار في الأصول كتاب غاية المرام في علم الكلام كتاب كشف التمويهات في شرح التنبيهات ألفه للملك المنصور صاحب حماة بن تقي الدين كتاب غاية الأمل في علم الجدل شرح كتاب شهاب الدين المعروف بالشريف المراغي في الجدل كتاب منتهى السالك في رتب المسالك كتاب المبين في معاني ألفاظ الحكماء والمتكلمين دليل متحد الائتلاف وجاد في جميع مسائل الخلاف كتاب الترجيحات في الخلاف كتاب المؤاخذات في الخلاف كتاب التعليقة الصغيرة كتاب التعليقة الكبيرة عقيدة تسمى خلاصة الأبريز تذكرة الملك العزيز بن صلاح الدين كتاب منتهى السول في علم الأصول كتاب منائح القرائح‏.‏

 موفق الدين بن المطران

هو الحكيم الإمام العالم الفاضل موفق الدين أبو نصر أسعد ابن أبي الفتح إلياس بن جرجس المطران كان سيد الحكماء وأوحد العلماء وافر الآلاء جزيل النعماء أمير أهل زمانه في علم صناعة الطب وعملها وأكثرهم تحصيلاً لأصولها وجملها جيد المداواة لطيف المداراة عارفاً بالعلوم الحكمية متعيناً في الفنون الأدبية وقرأ علم النحو واللغة والأدب على الشيخ الإمام تاج الدين أبي اليمن زيد بن الحسن الكندي وتميز في ذلك وكان مولد موفق الدين بن المطران ومنشؤه بدمشق وكان أبوه أيضاً طبيباً متقدماً جوالاً في البلاد لطلب الفضيلة وسافر إلي بلاد الروم لإتقان الأصول التي يعتمد عليها في علم النصارى ومذاهبهم ثم عدل بعد ذلك إلي العراق واجتمع بأمين الدولة بن التلميذ واشتغل عليه بصناعة الطب مدة وقرأ عليه كثيراً من الكتب الطبية صار موسوماً بالطب ثم إنه عاد إلي دمشق وبقي طبيباً بها إلى حين وفاته وكان موفق الدين بن المطران حاد الذهن فصيح اللسان كثير الاشتغال وله تصانيف تدل على فضله ونبله في صناعة الطب وفي غيرها من العلوم واشتغل بالطب على مهذب الدين بن النقاش وكان ابن المطران جميل الصورة كثير التخصص محباً للبس الفاخر المثمن وخدم بصناعة الطب الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وحظي في أيامه وكان رفيع المنزلة عنده عظيم الجاه وكان يتحجب عنده ويقضي أشغال الناس ونال من جهة المال مبلغاً كثيراً وكان صلاح الدين رحمه اللَّه كريم النفس كثير العطاء لمن هو في خدمته ولمن يقصده من سائر الناس حتى أنه مات ولم يوجد في خزانته من المال شيء وكان له حسن اعتقاد في ابن المطران لا يفارقه في سفر أو حضر ولهذا أنه غمره بإحسانه وأترفه بامتنانه وكان يغلب على ابن المطران الزهو بنفسه والتكبر حتى على الملوك وكان صلاح الدين قد عرف ذلك منه ويحترمه ويبجله لما قد تحققه من علمه وأسلم ابن المطران في أيام صلاح الدين‏.‏

وحدثني بعض من كان يعرف ابن المطران فيما يتعلق بعجبه وإدلاله على صلاح الدين أنه كان معه في بعض غزواته وكانت عادة صلاح الدين في وقت حروبه أن يصب له خيمة حمراء وكذلك دهليزها وشقتها وإن صلاح الدين كان يوماً راكباً وإذا به قد نظر إلى خيمة حمراء اللون وكذلك شقتها ومستراحها فبقي متأملاً لها وسأل لمن هي فأخبر أنها لابن المطران الطبيب فقال واللَّه لقد عرفت أن هذا من حماقة ابن المطران وضحك ثم قال ما بنا إلا يعبر أحد من الرسل فيعتقد أنها لأحد الملوك وإذا كان لا بد فيغير مستراحها وأمر به أن يرمي ولما رمي صعب ذلك على ابن المطران وبقي يومين لم يقرب الخدمة فاسترضاه السلطان ووهب له مالاً وحدثني أيضاً من ذلك أنه كان في خدمة صلاح الدين طبيب يقال له أبو الفرج النصراني وبقي في خدمته مدة وله تردد إلي دوره فقال يوماً للسلطان أن عنده بنات وهو يحتاج إلى تجهيزهن وطلب منه أن يطلق له ما يستعين به من ذلك فقال له صلاح الدين أكتب في ورقة جميع ما تحتاج إليه في تجهيزهن وجيب الورقة فمضى أبو الفرج وكتب في ورقة من المصاغ والقماش والآلات وغير ذلك ما يكون بنحو ثلاثين ألف درهم ولما قرأ صلاح الدين الورقة أمر الخزندار بأن يشتري لأبي الفرج جميع ما تضمنته ولا يخل بشيء منه ولما بلغ ذلك ابن المطران قصر في ملازمته الخدمة وتبين لصلاح الدين منه تغير في وجهه فعرف السبب ثم أمر الخزندار بأن يحضر جميع ما وصل إلى أبي الفرج الطبيب مما اشتراه له ويحسب جملة ثمنه ومهما بلغ من المال يدفع إلي ابن المطران مثله سواء ففعل ذلك وحدثني أبو الظاهر إسماعيل وكان يعرف ابن المطران ويأنس به أن العجب والتكبر الذي كان يغلب على ابن المطران لم يكن على شيء منه في أوقات طلبه العلم وقال أنه كان يراه في الأوقات التي يشتغل فيها بالنحو في الجامع يأتي إذا تفرغ من دار السلطان وهو في مركبة حفلة وحواليه جماعة كثيرة من المماليك الترك وغيرهم فإذا قرب من الجامع ترجل وأخذ الكتاب الذي يشتغل فيه في يده أو تحت إبطه ولم يترك أحداً ما يصحبه ولا يزال ماشياً والكتاب معه إلى حلقة الشيخ الذي يقرأ عليه فيسلم ويقعد بين الجماعة وهو بكيس ولطف إلى أن يفرغ من القراءة ويعود إلى ما كان عليه‏.‏

وقال الصاحب جمال الدين القاضي الأكرم أبو الحسن علي بن يوسف بن إبراهيم القفطي أن الحكيم موفق الدين أسعد بن المطران لما أسلم وكان نصرانياً حسن إسلامه وزوجه الملك الناصر صلاح الدين قدس اللَّه روحه إحدى حظايا داره واسمها جوزة وكانت جوزة هذه جارية خوندخاتون بنت معين الدين وزوجة صلاح الدين وكانت مدبرة دارها والمتقدمة عندها من جواريها وأعطتها الكثير من حليها وذخائرها ومولتها وخولتها فرتبت أموره وهذبت أحواله وحسنت زيه وجملت ظاهره وباطنه وصار له ذكر سام في الدولة وحصلت له أموال جمة من أمراء الدولة في حال مباشرته لهم في أمراضهم وتنافسوا في العطاء له وترقت حاله عند سلطان إلى أن كاد يكون وزيراً وكان كثير الاشتمال على أهل هذه الصناعة الطبية والحكمية يقدمهم ويتوسط في أرزاقهم قال ولقد أخبرني الفقيه إسماعيل بن صالح بن البناء القفطي خطيب عيذاب قال لما فتح السلطان الساحل ارتحلت عن عيذاب لزيارة البيت المقدس فلما حصلت بالشام رأيت جبالاً مشجرة بعدد براري عيذاب المصحرة فاشتقت إلى المقام بالشام وتحيلت في الرزق به فقصدت الفاضل عبد الرحيم وسألته كتاباً إلى السلطان في توليتي خطابة قلعة الكرك فكتب لي كتاباً هو مذكور في ترسله وهو حسن التلطف قال فأحضرته إلى دمشق والسلطان بها فأرشدت في عرضه إلى ابن المطران فقصدته في داره ودخلت عليه بإذنه فرأيته حسن الخلقة والخلق لطيف الاستماع والجواب ورأيت داره وهي على غاية من الحسن في العمارة والتجمل ورأيت أنابيب بركته التي يبرز منها الماء وهي ذهب على غاية ما يكون من حسن الصنعة ورأيت له غلاماً يتحجين يديه اسمه عمر في غاية جمال الصورة ثم رأيت من الفرش الطرح وشممت من الرائحة لطيبة ما هالني وسألته الحاجة التي قصدته فيها فأنعم بإنجازها وقال الصاحب جمال الدين ورأيت زوجته وابن عمر حاجبه وقد حضرا بعد سنة ستمائة إلى حلب على رقة من الحال ونزلا في الكنف الملكي الظاهري سقى اللَّه عهده وأقيما به بصدقة قررت لهما وماتت هي بعد مدة ولا أعلم بعدها لولد عمر خبراً وحدثني الشيخ موفق الدين بن البوري الكاتب النصراني قال لما فتح الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب الكرك أتى دمشق الحكيم موفق الدين يعقوب بن سقلاب النصراني وهو شاب على رأسه كوفية وتخفيفة صغيرة وهو لابس جوخة ملوطة زرقاء زي أطباء الفرنج وقصد الحكيم موفق الدين بن المطران وصار يخدمه ويتردد إليه لعله ينفعه فقال له هذا الزي الذي أنت عليه ما يمشي لك به حال في الطب في هذه الدولة بين المسلمين وإنما المصلحة أن تغير زيك وتلبس عادة الأطباء في بلادنا ثم أخرج له جبة واسعة عنابية وبقياراً مكملاً وأمره أن يلبسهما ثم قال له أن هاهنا أميراً كبيراً يقال له ميمون القصري وهو مريض وأنا أتردد إليه وأداويه فتعال معي حتى تكون تعالجه فلما راح معه قال للأمير هذا طبيب فاضل وأني أعتمد عليه في صناعة الطب وأثق به فيكون يلزمك ويباشر أحوالك في كل وقت ويقيم عندك إلى أن تبرأ إن شاء اللّه تعالى فامتثل قوله وضار الحكيم يعقوب ملازماً له ليلاً ونهاراً إلى أن تعافى فأعطاه خمسمائة دنيار فلما قبضها حملها إلى ابن المطران وقال له يا مولانا هذا ما أعطاني وقد أحضرته إلى مولانا فقال له خذه فأنا ما قصدت إلا نفعك فأخذه ودعا له‏.‏

وحدثني الحكيم عز الدين أبو إسحق إبراهيم بن محمد بن السويد قال كان ابن المطران جالساً على باب داره وقد أتاه شاب من أهل نعمة وعليه زي الجندية وأعطاه ورقة فيها اثنا عشر بيتاً من الشعر يمتدحه بها فلما قرأها ابن المطران قال أنت شاعر فقال لا ولكني من أهل البيوت وقد نزل الدهر بي وقد أتيت المولى وجعلت قيادي بيدك لتدبري مهما حسن فيه رأيك العالي فدخل إلى داره واستدعى الشاب وقدم له طعاماً فأكل وقال له أيش تقول قد مرض عز الدين فرخشاه صاحب صرخد وهذا المرض يعتاده في كل حين فإني رأيت أن أسيرك إليه تعالجه فهو يحصل لك من جهته شيء جيد قال له يا مولاي من أين لي معرفة بصناعة الطب أو دربة فقال ما من جهته شيء جيد قال له يا مولاي من أين لي معرفة بصناعة الطب أو دربه فقال ما عليك أنا أكتب معك دستوراً تمشي عليه ولا تخرج عنه فقال الشاب السمع والطاعة فلما خرج الشاب لحقه الغلام ببقجة فيها عدة قطع قماش مخيط وفرس بسرج ولجام فقال له خذ هذا القماش ألبسه وهذا الفرس إركبه وتجهز إلى صرخد فقال له يا سيدي إنه لم يكن لي مكان أبيت الفرس فقال إتركها عندنا وشد عليها بكرة النهار وسافر على خيرة اللَّه تعالى فلما كان بكرة النهار حضر الشاب إلي باب دار ابن المطران فأعطاه كتاباً قد كتبه على يده إلى عز الدين فرخشاه بكرة النهار حضر الشاب إلى باب دار ابن المطران فأعطاه كتاباً قد كتبه على يده إلى عز الدين فرخشاه صاحب صرخد وأعطاه تذكرة بما يعتمده في مداواته وأعطاه مائتي درهم وقال إتركها عن بيتك نفقة وسافر الشاب إلى صرخد وداوى عز الدين فرخشاه بما أمره به فبرئ ودخل الحمام وخلع عليه خلعة مليحة من أجود ما يكون وأعطاه بغلة بسرج وسرفسار ذهب وألف دينار مصرية وقال تخدمني فقال له ما أقدر يا مولانا حتى أشاور شيخي الحكيم موفق الدين ابن المطران فقال له عز الدين ومن هو الحكيم موفق الدين ما هو إلا غلام أخي لا سبيل إلى خروجك من صرخد وألحوا عليه في لقول وشددوا فقال إذا كان ولا بد فأنا أمضي إلى منزلي وأجيء فمضى إلى منزله وأحضر الخلعة والذهب وما معه وقال هذا الذي أعطتموني خذوه وأنا فواللَّه ما أعرف صناعة الطب ولا أدري ما هي وإنما أنا جرى لي مع الحكيم ابن المطران كذا وكذا وقص عليه الواقعة كما وقعت فقال له عز الدين ما عليك أن لا تكون طبيباً أنت ما تعرف تلعب بالرد والشطرنج فقال بلى وكان الشاب لديه أدب وفضيلة فقال له عز الدين قد تركتك حاجبي وجعلت لك أقطاعاً في السنة يعمل اثنين وعشرين ألف درهم فقال السمع والطاعة يا مولانا بل أسأل دستوراً إلى دمشق أن أروح إلى الحكيم موفق الدين وأقبل يده وأشكره على ما فعل معي من الخير فاعطي دستوراً وأتى الحكيم موفق الدين وقبل يده وشكره شكراً كثيراً وأحضر الذي حصل بين يديه وقال له قد حصل لي هذا فخذه فرده عليه وقال له أنا ما قصدت إلا نفعك خذه بارك اللَّه لك فيه وعرفه الشاب بما جرى له مع عز الدين وصورة الخدمة واستمر الشاب في خدمة عز الدين وكان ذلك الإحسان من مروءة موفق الدين بن المطران‏.‏

أقول وكانت لموفق الدين بن المطران همة عالية في تحصيل الكتب حتى أنه مات وفي خزانته من الكتب الطبية وغيرها ما يناهز عشرة آلاف مجلد خارجاً عما استنسخه وكانت له عناية بالغة في استنساخ الكتب وتحريرها وكان في خدمته ثلاثة نساخ يكتبون له أبداً ولهم منه الجامكية والجراية وكان من جملتهم جمال الدين المعروف بابن الجمالة وكان خطه منسوباً وكتب ابن المطران أيضاً بخطه كتباً كثيرة وقد رأيت عدة منها وهي في نهاية حسن الخط والصحة والإعراب وكان كثير المطالعة للكتب لا يفتر من ذلك في أكثر أوقاته وأكثر الكتب التي كانت عنده توجد وقد صححها وأتقن تحريرها وعليها خطه بذلك وبلغ من كثرة اعتنائه بالكتب وغوايته فيها أنه جامع لكثير من الكتب الصغار والمقالات المتفرقة في الطب وهي في الأكثر يوجد جماعة منها في مجلد واحد استنسخ كلام منها بذاته في جزء صغير قطع نصف ثمن البغدادي بمسطرة واضحة وكتب بخطه أيضاً عدة منها واجتمع عنده من تلك الأجزاء الصغار مجلدات كثيرة جداً فكان أبداً لا يفارق في كمه مجلداً يطالعه على باب دار السلطان أو أين توجه وبعد وفاته بيعت جميع كتبه وذلك أنه ما خلف ولداً‏.‏

وحدثني الحكيم عمران الإسرائيلي أنه لما حضر بيع كتب ابن المطران وجدهم وقد أخرجوا من هذه الأجزاء الصغار ألوفاً كثيرة أكثرها بخط ابن الجمالة وأن القاضي الفاضل بعث يستعرضها فبعثوا إليه بملء خزانة صغيرة منها وجدت كذلك فنظر فيها ثم ردها فبلغت في المناداة ثلاث آلاف درهم واشترى الحكيم عمران أكثرها وقال لي أنه حصل الاتفاق مع الورثة في بيعها أنهم أطلقوا مع كل جزء منها بدرهم فاشترى الأطباء منهم هذه الأجزاء الصغار على الثمن بالعدد‏.‏

أقول وكان ابن المطران كثير المروءة كريم النفس ويهب لتلامذته الكتب ويحسن إليهم وإذا جلس أحد منهم لمعالجة المرضى يخلع عليه ولم يزل معتنياً بأمره وكان أجل تلامذته شيخنا